الصحة في الجزائر بين شعب يئن من نقص الموارد وحكومة تحاول النهوض
الصحة في الجزائر بين شعب يئن من نقص الموارد وحكومة تحاول النهوض
كمعظم البلدان العربية، يعاني قطاع الصحة في الجزائر نقصاً كبيراً في الأجهزة الطبية الضرورية، ما يضطر العديد من المرضى إلى اللجوء للعيادات الخاصة التي تكلفهم مبالغ كبيرة، وخدماتها بين انتقادات المرضى وشكاوى من لوبيات مستفيدة، إلّا أن الحكومة الجزائرية تحاول تحسين الخدمات ومواكبة التطور الرقمي.
وشهدت البلاد عودة الانتقادات لتردي أحوال الصحة مجددا مع الإضراب الذي بدأه الأطباء والعاملون بالقطاع الصحي، ففي عام 2022، نظمت وقفات احتجاجية مست جميع المستشفيات، دون المساس بالحد الأدنى من الخدمة المفروض تقديمها لحالات الطوارئ والحالات الجراحية الحرجة.
وروجت وزارة الصحة والسكان لكون الدافع وراء هذه الأعمال، ينحصر في تأخر صرف منحة كوفيد-19، كما يبين رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية، إلياس مرابط الذي صرح بأن "ثمة أسباباً أخرى كانت على رأس مطالب ممارسي الصحة العمومية"، من تلك المطالب ما يخص أساسًا تحسين الوضع العام للعمل داخل المستشفيات وتوفير المستلزمات، وإدخال مدة محاربة وباء كورونا في نظام المعاشات والتقاعد".
وأقر الرئيس الجزائري في مارس 2020 منحة شهرية إضافية خاصة بالأطباء وشبه الطبيين، بقيمة تراوحت بين 30 ألفًا و20 ألف دينار جزائري (200 دولار و130 دولارًا)، سُميت بمنحة كوفيد-19، وهي لم تُصرف منذ أشهر.
وشهدت بداية عام 2022 انعقاد الجلسات الوطنية للصحة لتجديد المنظومة الصحية ضمن الملتقى الوطني حول تجديد المنظومة الصحية الذي أشرف عليه رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبّون مجددا التزامه بتحسين الظروف المهنية والمادية لمنتسبي قطاع الصحة في الجزائر، بعد التعبير عن امتنانه لما قدّمته هذه الفئة من جهود مضنية في مكافحة وباء كوفيد-19.
ورفع المشاركون في الملتقى توصيات عديدة إلى رئيس الجمهورية الذي تعهّد بالعمل على تنفيذها قدر الاستطاعة، خاصة ما تعلق بالجوانب المادية ومراجعة القوانين الأساسية.
رغم الانتقادات التي توجه إلى الملف الصحي في الجزائر، إلا أن ثمة إيجابيات أيضا كرقمنة القطاع الصحي، وإنشاء مستشفيات جديدة.
"جسور بوست"، تناقش في السطور التالية إيجابيات وسلبيات الملف الطبي في الجزائر.
إيجابيات وسلبيات
يشوب الملف الطبي الجزائري الغموض، فلن يساعدك محرك البحث غوغل لمعرفة المشكلات الحقيقية التي يعاني منها القطاع فضلًا عن معرفة عدد المرضى والمستشفيات، لكن ثمة أخباراً وتصريحات إعلامية تكشف ولو بنسبة حقيقة الملف الصحي هناك.
وعن إيجابيات وسلبيات الملف الطبي وأعداد المستشفيات والمراكز الطبية في الجزائر، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الجزائري، توفيق قويدر شيشي، إن عدد المستشفيات بالجزائر نحو 361 مؤسسة استشفائية، منها 14 مستشفى جامعي ونحو 8700 عيادات متعددة الخدمات ومئة مركز كلى، و16 مركزاً لمكافحة السرطان، إلى جانب الصحة الجوارية تم إحصاء نحو 80 ألف ممارس (45 ألفاً في القطاع العام و34 ألفاً في القطاع الخاص)، كذلك فإن عدد هياكل الصحة الجوارية 5760 قاعة علاج و460 عيادة توليد.
وأضاف قويدر في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": يواجه الملف الطبي في الجزائر مشكلات كثيرة بسبب الميزانية المخصصة للمستشفيات، فميزانية 2021 كانت ثلاثة مليار دولار وهي قليلة جدًا مقارنة مع الأمراض المنتشرة في الجزائر مثل أمراض الكلى والسرطان والعمليات الجراحية المستعصية، كذلك تنقصنا المعدات الطبية والإمكانيات في أجهزة الكشف والمعالجة بالأشعة المغناطيسية، كذلك الرواتب التي يتعاطاها الأطباء، ولهذا هاجر كثير من أطباء الجزائر إلى أوروبا حيث الرواتب نحو 700 يورو وهو مرتب قليل، كذلك نقص الأطباء المتخصصين كطب الأطفال، أيضًا ليست هناك مدارس كبيرة للطب حيث لا تغطي الطلب، إذ كان من المفترض وجود جامعة في كل ولاية.
واستطرد: من المشكلات أيضًا رفض ذهاب الأطباء إلى المستشفيات الموجودة في المناطق المتطرفة بعيدًا عن المدن لقسوة الطبيعة هناك، وهذا يحرم المواطن في الجنوب الجزائري من حقه في العلاج، وهناك ما يسمى بطاقة الشتاء وهي بطاقة تأمينية وهي لا تعوض المصاريف التي تم دفعها في أجهزة الكشف، وكذلك جميع الفحوصات.
وعن الإيجابيات قال إنها تكمن في مجانية العلاج، وإن كانت قد أثرت على الأداء الجيد للخدمات فبسببها مثلا لا يحظى المريض بعناية كبيرة، ولكن يتيح للطبقة البسيطة العلاج كذلك فإن بطاقة الشفاء توفر الأدوية المستوردة مرتفعة الثمن، كذلك الصحة الجوارية، ففي كل بلدية أو قرية مصلحة علاجية، وهناك مستشفيات في الجنوب الجزائري.
وأفاد بأن هناك مشكلة في سوق الأدوية وهي محاولات لصناعات الأدوية محليًا، وبالفعل توجد شراكة مع دول أوروبية وخليجية ومصرية وقطرية، لكن يوجد لوبي يريد السيطرة على الأسواق ويفرض نفسه بشكل كبير، يريد استيراد جميع الأدوية ولا يحترم الناتج المحلي، وحاولت الدولة الجزائرية قطع الطريق عليهم وإغراق السوق بالأدوية، لكن التجار يقاومون ذلك.
مديونيات لفرنسا بسبب العلاج
تتصدر الجزائر قائمة الدول المدينة للمستشفيات الفرنسية بمبلغ تجاوز 31 مليون يورو.
ورجحت جريدة "الوطن" الجزائرية أن سبب ارتفاع الفاتورة هو العلاج المتكرر الذي يتلقاه مسؤولون كبار وسياح جزائريون يزورون فرنسا.
ونشرت إدارة مستشفيات باريس التابعة لوزارة الصحة الفرنسية تقريرا مفصلا تكشف فيه عن أسماء الدول الأجنبية التي لم تدفع فاتورة العلاج الذي تلقاه مواطنوها أو بعض مسؤوليها في المستشفيات الواقعة بالعاصمة باريس، بما فيها حالات الاستعجال.
وكشف التقرير أن قيمة الديون المترتبة عن هذا التأخر وصلت في نهاية عام 2019 -حسب إدارة مستشفيات باريس- إلى نحو 120 مليون يورو.
وتأتي الجزائر في مقدمة الدول المدينة بنحو 32 مليون يورو، يتبعها المغرب ب11 مليوناً، ثم الولايات المتحدة بنحو 6 ملايين يورو، وبلجيكا ب5 ملايين، وتونس بأكثر من 4 ملايين يورو.
ويعود احتلال الجزائر للمرتبة الأولى إلى الكم الهائل من السياح الجزائريين الذين يأتون لزيارة فرنسا وإلى المقيمين غير الشرعيين في البلاد والذين غالبا ما يترددون على قسم الطوارئ في المستشفيات الفرنسية لعلاج الأمراض التي يعانون منها.
قلة عدد الأطباء
يرى الدكتور محمود الغلبان المدير الطبي لأحد المجمعات الطبية بالجزائر، أن مشكلة ومعاناة المرضى في العيادات الخارجية تتمثل في زيادة عدد المرضى عن استيعاب مراكز تقديم الخدمة الطبية في المستشفيات والمجمعات الطبية مع بعض القصور في الكوادر البشرية من موظفي الاستقبال ومنسقي الخدمة وكذلك نقص الكوادر الطبية.
وأضاف في تصريحات إعلامية أن جميع الأنظمة واللوائح والتعليمات لا تجيز في كل الأحوال الجمع بين العمل في القطاع الصحي الحكومي والقطاع الصحي الخاص.. ورغم ذلك هناك من الممارسين العاملين في القطاع الحكومي من يخالف هذه الأنظمة والتعليمات.
ويعمل الكثير من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات بالقطاع الخاص وبدون موافقات مراجعهم، مما يعتبر مزاولة غير نظامية، إضافة إلى أن ممارسة عملين في جهتين مختلفتين يؤدي إلى إجهاد هؤلاء الأطباء ويحرم الآخرين من تفرغهم وخدماتهم الكاملة، ما ينعكس سلباً على عملهم الأساسي في القطاع الصحي الحكومي، ما قد يؤدي إلى حدوث الأخطاء الطبية -وما أكثرها- وكذلك يؤدي إلى ضعف المردود التعليمي والإشرافي على طلبة كلية الطب، لضيق وقتهم، مما يخّرج اجيالاً ضعيفة من الأطباء.
كثرة الإجراءات
كثرت التصريحات الإعلامية الجزائرية التي تشكو كثرة الإجراءات، والانتظار لساعات داخل المستشفيات الحكومية، منها ما أوضحه المستشار القانوني ماجد الأحمري، قائلا إن معاناة المرضى مع المستشفيات أصبحت تشكل مصدر إزعاج وإرهاق للمريض ربما أكثر من المرض نفسه.
ويضيف في تصريحات إعلامية، بدأت رحلة المعاناة والتعب من الإجراءات الروتينية القاتلة داخل المستشفى، ففي الساعات الأولى للدوام يحتشد عشرات المراجعين لأخذ دور عند الطبيب المتخصص، وأحيانا يأتي الطبيب في موعده وأحيانا يتأخر، حيث يمضي وقت انتظار الدور من ساعة إلى ثلاث ساعات، مع ضرورة التذكير بأن موعد المريض المعطى له من سجل المواعيد في المستشفى تم تحديده قبل نحو 3 أشهر ومعاناة المرضى المراجعين للمستشفيات الحكومية لا تقتصر على المرض نفسه الذي يعاني منه المريض بل يتعداه إلى التعب الجسدي من طول الانتظار.
الرقمنة
من الإيجابيات التي حاولت الحكومة الجزائرية تضمينها في الملف الطبي اعتماد سياسة الطريق إلى العصرنة، حيث شكّلت الرقمنة تحديا حقيقيا لعصرنة القطاع الصحي وتسهيل الإجراءات للمهنيين والمرضى بما يضمن التوجه نحو المستشفى الرقمي، وكانت البداية بصدور المرسوم التنفيذي الخاص بالوكالة الوطنية للرقمنة في الصّحة.
وتتمثل المهمّة الرئيسية للوكالة في وضع نظام وطني للإعلام الصحي يضمن رقمنة النشاطات الطبية ويشجع تقاسم وتبادل وأمن وسرية المعطيات الصحية بين مهنيي الصحة وهياكل ومؤسسات الصحة والمستعملين ضمن احترام السر الطبي والمهني.
وحدّد النص التشريعي المهام التي تكلّف بها الوكالة المتمثلة أساسا في وضع المستشفى الرقمي عبر أرضية تتمركز حول المريض وتمّكن مهنيي الصحة من إمكانية رؤية المسار العلاجي في الوقت الحقيقي بصفة آمنة، والسماح بتحسين معتبر لنوعية العلاج بالقيام خصوصا بدمج المعطيات عن دخول المرضى والمعطيات العيادية وبروتوكولات المعالجة والوحدات والمصالح الطبية وتسيير العلاج المكثف والأرضية التقنية للمستشفى "مخبر التحليل الطبي والتصوير الطبي والصيدلية الاستشفائية"، والتجهيزات الطبية وصيانتها، إلى جانب وضع الملف الطبي المتقاسم المتاح لمهنيي الصحة، عبر ملف يمنح لكل مريض ويتضمن تبادل وتقاسم وأمن المعطيات ذات الطابع الشخصي الضرورية للتكّفل الطبي بالمريض وتنسيق العلاج الطبي.
إلى جانب إنشاء شبكات وأقطاب علاج ذات تشغيل بيني تسهل توجيه المرضى نحو هياكل ومؤسسات الصحة الأكثر ملاءمة لاستشفائهم والتكفل بهم، لا سيما في حالة الاستعجال.
المستشفى الجزائري القطري الألماني
شكّل الإعلان عن مشروع المستشفى الجزائري القطري الألماني أحد أكبر الإنجازات المعلن عنها خلال عام 2022، فقد أكدت الحكومة الجزائرية أن الهدف من إنشاء هذا الصرح الطبي هو التكفل بمعظم الحالات المرضية والعمليات الجراحية، خاصة المستعصية منها، التي كانت تتطلب التحويل إلى الخارج.
ومن المنتظر أن يوفر هذا المستشفى، الذي يستوفي المعايير الدولية في مجال الهندسة الاستشفائية 400 سرير.
وإلى جانب هذا الحدث البارز المندرج في إطار الاستثمار الأجنبي الجزائري، تم خلال السنة الجارية تدشين عشرات المرافق الصحية من قاعات علاج وعيادات متعددة الخدمات، وتم بمناسبة الاحتفال بعيد الثورة في أول نوفمبر المنصرم استلام 43 هيكلا صحيا أغلبها في الولايات النائية والمناطق المعزولة من بينها تيسمسيلت والنعامة والشلف، ومن المتوقع استلام عشرات الهياكل الأخرى سنة 2023.
وتمت إعادة تشغيل وإصلاح المسرعات الخطية في انتظار اقتناء مسرعات جديدة ما يسمح بالتكفل بالمرضى في آجال قصيرة.
وتم توجيه تعليمات لكل العاملين لإيلاء أهمية بالغة لمجال الصيانة حيث تم تنظيم يوم دراسي هو الأول من نوعه في هذا المجال مع تسطير برنامج تكويني لأعوان الصيانة، إضافة إلى إقرار لأوّل مرّة قانون أساسي لأعوان النظافة الاستشفائية والأمن حيث تشكّل القوانين الأساسية الالتزام الأكبر لوزارة الصّحة بتعهّد من قبل رئيس الجمهورية، ويجري حاليا العمل على وضع اللّمسات الأخيرة للقوانين الأساسية لمستخدمي الصّحة بالتنسيق مع الشريك الاجتماعي.
ولأوّل مرّة أعلنت وزارة الصحة عن قانون أساسي للنظافة الاستشفائية وتم تحسين اللجان الخاصة بالنظافة ومباشرة الحملات التحسيسية من أجل تحسين المحيط الاستشفائي.
وسيسهم القانون الأساسي الخاص بالمكلفين بالنظافة الاستشفائية -الجاري إعداده حاليا- فور دخوله حيز التطبيق في "إعطاء دفعة في مجال الحماية من الأمراض التي لها علاقة بالعلاج، كما سيمكن من إدراج رتب جديدة في النظافة الاستشفائية.. وتقرر في سياق ذي صلة توحيد استعمال الأسرة والأفرشة والأغطية بلون واحد مع إبراز عبارة مستشفيات الجزائر".